حين تقع الثورة لا يمكن أن نلوم الناس على انجازها، وربما علينا ايضا ان لا نسيء طرح الأسئلة التي تميتها: من قبيل ماذا حققت تلك الثورة؟
يجب ان نعود إلى أدبيات فلسفات الثورة لنحدد المهمة الاساسية التي تقوم بها الثورة. انها تساعد على قلب النظام وتحييد فعاليته وسلب ادواته.
ولكن حين تحقق الثورة هذا الهدف الأساسي، فانها تفسح المجال للقوى المضادة لذلك النظام حتى تنتظم وان تأخذ زمام المبادرة.
ولكن ما هي القوى المضادة، هل هي ممثلة في قوى الثوار، ام هى قوى أخرى مؤهلة للحكم؟
هل يجب علينا حينئذ التمييز بين نوعين من قوى الثورة، القوى التي تنجز الثورة، والقوى التي تقود مرحلة ما بعد الثورة؟
في الثورات الكبرى غالبا ما يتم توسيع مهام القوى التي تنجز الثورة الى ما بعد الثورة، اذا ما استثنينا بعض الحالات النادرة.
يجب على قوى الثورة مواصلة قيادة مرحلة ما بعد الثورة، وفي هذا التصور يوجد نوع من المقاربة الموسعة للثورة: فهي حركة مستدامة، وما يضمن تلك الاستدامة هي القوى الثورية التي تستكشف طريق الثورة في ما يحقق تطلعات الناس.
أما المقاربة الثانية، فتبدو فيها مهمة الثورة منحصرة اساسا في تحقيق هدف مخصوص: قلب النظام، انها تنجز هذه المهمة دون غيرها، لتحييد القوى القائمة. تنجز الثورة دون ان تتورط في اي نظام آخر، وغالبا ما تتخذ صفة المراقب للوضع لتصححه ان لزم الأمر. وهي تضعنا ازء وضع ما بعد ثوري بلا ثوريين حقيقيين، شبيه الى حد كبير بما حدث في بلدان عربية ومنها تونس في ما سمي بالربيع العربي. هي تحركات او انتفاضات اوجدت حدثا حقيقيا، ولكنها، وبسبب قيادتها بواسطة قوى انتهازية ولا ثورية، فانها افقدت تلك الحركات زخمها وسلبتها حدثها الذي أضفي عليها روحا ثورية جذابة.
في فلسفات الثورة فإن الثوار الحقيقيين يقدمون على انهم حراس الثورة، فهم الذين يضمنون للثورة ديموتها حدثا متواصلا، ومن ثمة فهم يحفظون طابعها الروحي واستدامتها.
لكن الثوريين سيظلون مرهقين دوما بهذا السؤال: ماذا حققوا من أهداف الثورة؟