ضحايا الهرسلة المادية والنفسية كثر,منهم من يتم تهديدهم في أجسادهم ومنهم من يتم تهديدهم في عائلاتهم في سبيل دفاعهم عن حقوقهم المسلوبة ومن أجل رفع راية الشرف المهني والأخلاقي ورغم انصافهم من طرف المحاكم فأن المماطلة تبقى سيدة الموقف أكانت من طرف الوزارة أو من طرف بعض الجهات النقابية على غرار ما حصل للمواطن التونسي عماد البريني أستاذ اللغة والحضارة والعربية والذي رحل في صمت يوم 12 اوت 2021 دون أن يتم انصافه ،مات وغصة داخله من وطنه ومن عدد من النقابيين من وعدوه بانصافه،غصة من الأشخاص الذين عاشرهم وتركوه في نصف الطريق…..رحل ودموع الحزن تملأ قلبه من وطن يهمل مثقفيه ومفكريه….
” العمدة” كما ينادونه اصدقائه من مواليد 23 أوت 1963 من ولاية صفاقس وهو أستاذ تعليم ثانوي منذ سنة 1989 أين تم تعيينه بالمعهد الثانوي بالرقاب كأستاذ لغة وحضارة عربية.
بتاريخ 15 سبتمبر 1989 تم انتدابه برتبة استاذ تعليم ثانوي اختصاص عربية وفي الأثناء تابع دراسته الجامعية بكلية الاداب والعلوم الانسانية بصفاقس الى حدود سنة 1992 أين تحصل على شهادة الأستاذية في اللغة والحضارة العربية .
كان نموذجا للأستاذ المربي،الساهر على دروسه وتقديم الأفضل لتلامذته وأعداده الادارية والبيداغوجية كانت شاهدة على ذلك،كيف ولا وهو الأستاذ المثقف الذي يتقن أكثر من لسان والمطلع على امهات الكتب والمتكون من قبل خيرة أساتذة الجامعة التونسي…
سنة 1993 تمت نقلته من المدرسة الاعدادية بالرقاب الى المدرسة الاعدادية ابن سينا بنفس الجهة ولم يقتصر ذلك الفعل على النقلة فحسب بل تمت سنة 1994 احالته على مجلس التأديب بدعوى الاخلال بواجبه المهني مستندة الادارة الى كثرة الغيابات حيث قررت الادارة الجهوية بسيدي بوزيد نقلته من المدرسة الاعدادية ابن سينا الى المدرسة الأعدادية أم العظام بنفس الولاية.
الراحل رفض نقلته الى تلك المدرسة وقام بقضية لدى المحكمة الادارية بتونس والتي أنصفته وأمرت بارجاعة الى المدرسة الاعدادية ابن سينا حيث رأت المحكمة الادارية أن الحكم القاضي بالنقلة الوجوبية يعتبر لا غيا والصادر بتاريخ 30 ديسمبر 1998 وهو ما مكنه ذلك من حق المطالبة بتنفيذ القرار وذلك بارجاعه الى مكان العمل الأصلي وقد انطلقت حينها معاناة التنقل و الاتصال بوزارة التربية عبر عدول تنفيذ لتنفيذ الحكم الاّ أن الوزارة امتنعت بدعوى التخلي أنها قامت بشطبه كأستاذ وعزله كليا بحجة عدم تنفيذه للقرار الصادر عن وزير التربية.
الراحل تقدم بقضية جديدة في ابطال قرار العزل و التي استمرت الى حدود 2011 مع وزارة الطيب البكوش و تم الاتفاق بين الوزارة والنقابة العامة للتعليم الثانوي على ارجاع المعزولين والمطرودين عن العمل بشرط سحب القضية من المحكمة الادارية وهو ما فعله حيث قام بسحب القضية ومد وزارة التربية والنقابة العامة بنسخة منه سنة 2011 الاّ أن الوزارة لم تلتزم بنص لاتفاق المبرم بينها وبين النقابة العامة للتعليم الثانوي الى يوم الناس هذا……
معاناة ” العمدة” انطلقت منذ 1994 الى غاية 12 اوت 2021، أي اكثر من 25 سنة من الاقصاء والفقر والطرد من مهنته ،عاش متنقلا داخل مدينة صفاقس بين مركزها بباب بحر وبين مكتبتها الجهوية وبين اروقة كلية الاداب بصفاقس،عاش مفكرا ،صديقا للاهالي وللشعراء والكتاب، عاش انسانا يبحث عن الانسانية في صفوف الناس،يبحث عن أمل مفقود…..
رحل العمدة الى فضاء آخر بعيدا عن المخاتلة والزيف،رحل مسجلا اسمه داخل الملتقيات الادبية والفكرية، تاركا مقالات عديدة ودروسا القاها بين تلامذته وطلبته….رحل سقراط مدينة صفاقس الاستاذ عماد البريني،ابن الادب الروسي العاشق للشابي ولبوشكين……رحل في صمت رهيب وسيسجل التاريخ انه كان ضحية الثورة التونسية والنظام البائد والحاضر….
سيسجل اسمه مع الشاعر الراحل منور صمادح وغيرهم من كتاب مدينة صفاقس من عاشوا على وقع النسيان والتناسي…وعلى وقع التهميش والألم اليومي….
وداعا يا سقراط مدينة صفاقس…
وداعا يا عمدة.
علي البهلول/ نيوز براس