تمثّل التناصيّة تعانق النصوص المرئيّة مع بعضها البعض وللتناصّ أثواب متعدّدة “كالتّداني” الذي تكون فيه النصوص متقاربة في النتائج الوظيفيّة للعمل التشكيلي وفي خصائصه البنيويّة. وكذلك نذكر ” التفاعل” بما هو تواشج وانصهار لروح العمل الفنّي وذوبانه في النصّ المتناصّ عليه دون أن يفقد النصّ “الفاعل” مميّزاته لصالح النصّ “المفعول به “.
وثوب آخر من أثواب التناصّ “المجاورة” وهي أن يتقدّم النصّ التشكيلي بمحاذاة أو بالتوازي جنبا لجنب مع النصّ التشكيلي الفاعل والنص التشكيلي المتناصّ عليه على أن يحافظ كلّ نصّ على هويّته. أمّا الثوب الرابع فهو “التّقاصي” وهو تقريبا يشير إلى الاتّجاه المعاكس للتّداني حيث يتباعد النصّان دون أن يفترقا فتتخلّق طريق واصلة أكثر ممّا هي مفترق طرقات.
تعتبر لوحات اليافعة الموهوبة ماجدة العيادي مثالا مهمًّا لمعنى التناصّ التشكيلي حيث انبنت لوحاتها أساسا على وحدة تراكميّة صلبة إن أردنا تفكيكها وسبر أغوارها كان لزاما علينا أن نتقصّى بنيتها الأركيولوجيّة.
تشدّك هذه اللّوحات بتصميمها لا أقول الهندسي وإنّما البنائي، بمعنى أنّ الفنانة شاءت أن تبني الفضاء تماما كما البناء كتلة من طين، حيث تتراكب هذه الكتل فتكسر أفق انتظار المشاهد الذي يعمد إلى زخم من التراكبات يحسبه المتلقي أكوامًا من مساحات فيرتقي إلى بصيرته بناء محكم الترابط نسيجا لا من الخطوط و إنّما من “العناصر” .
هل تناصّت لوحة ماجدة مع لوحة بيكاسو على مستوى التداني؟

لوحة بعنوان : على طريقة بابلو بيكاسو
يتفاعل النصّ التشكيلي للفنانة مع نص ماتيس وتحديدا مع قصاصاته الورقية المفعمة بالحياة، هذه القصاصات التي شرّعت للرسم بالمقصّ. وقد نحتت صاحبة النص الفاعل بالشكل واللون فأخرجت اللوحة من مصاف الرسم إلى مصاف البناء وتجاوزت حدود الثنائي الأبعاد إلى نسيج زمكاني يختلقه المتلقي ضرورة ليشعر بالشكل واللون وليستطيع بناء مفهوم الفضاء كما تمليه لوحتها “قمر”.

لوحة بعنوان ” قمر “
لقد ارتأينا في النص التشكيلي للفنانة اليافعة ماجدة خياطة نسجت من خلالها أشكالها الملونة بطريقة تنم عن حذقها للنسج أو الحبك. لقد نحتت ماجدة العيادي اللّون فجعلت تراكب الرماديات الملونة لنفس اللون والتضاد بين القيم الضوئية يُردي الأشكال متراكبة فيظهر بشدة بحثها الأركيولوجي ونبشها للطبقات اللونية الذي نستشفه عند تأمّل لوحتها “موج”.

لوحة بعنوان ” موج “
وهذا ما يجعلنا لا نجد أيّ إحراج أو مبالغة في القول بالمجاورة بين نصّها ونصّ بول سيزان حيث نحت هذا الأخير اللّون وأخرجه من ثنائيّة أبعاده إلى الثلاثي، منها أراد أن يوجد الضباب والحجارة، أراد أن يصنع البناء وأن يبني بكلتا يديه أراد “أن يجعل- افتراضيّا – للون طول وعرض وارتفاع” لقد أخرج سيزان اللون إلى الفضاء وجعله متحرّكا، حيّا، ناطقا… أما على مستوى التقاصي فقد تباعد نص ماجدة عن نص ديلوناي في لوحتها ” التفاف”

وذلك دون أن يفترقا. لقد شاءت ماجدة العيادي أن تجعل ولادة الحركة الدائرية قيصرية لا تولد من رحم الالتفاف وإنما شاءت أن تولد من رحم الانبساط فكان توزيع هذه المساحات يوحي للعين الناظرة ببداية الالتفاف مجازا. لقد تحدّد الزمن عند ماجدة فأرادته متوقّفا موحيا بالاستمرارية والانسياب. وفي الإيحاء قوّة وشدّة البلاغة. فالمجاز قد يجعل المعنى مكتنزا فتكون الصورة أقرب إلى ذهن المتلقي حتّى يكاد المعنى يلتحم بها و ينصهر فيها.